قصة آدم عليهالسلام
قال تعالى:
{قل هو نبأ عظيم* أنتم عنه
معرضون* ما كان لي منعلم بالملإ الأعلى إذا
يختصمون* إن يوحي إلي إلا إنما أنا
نذير مبين* إذ قال ربكللملائكة إني خالق بشرا من
طين* فإذا سويته ونفخت فيه من
روحي فقعوا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس استكبر وكان
من
الكافرين* قال يا إبليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي، استكبرت أم كنت من
العالين*
قال أنا خير منه، خلقتنيمن نار وخلقته من طين* قال فاخرج منها فإنك
رجيم* وإن عليك
لعنتي إلي يوم الدين*
قال
رب فأنظرني إلي يوم يبعثون* قال
فإنك من المنظرين* إلي يوم الوقت المعلوم* قالفبعزتك لأغوينهم أجمعين* إلا
عبادك
منهم المخلصين* قال فالحق والحق أقول* لأملأنجهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين* قل ما
أسألكم عليه من أجر
وما أنا من المتكلفين*
إن هو
إلا ذكر للعالمين*
ولتعلمن نبأه بعد حين} (ص:67ـ88)ومن هذه
الآيةتتضح قصة آدم عليه
السلام
ولنذكر هاهنا مضمون ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات، ومايتعلق بها من
الأحاديث
الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
واللهالمستعان.
فأخبر
تعالى أنه خاطب الملائكة قائلا لهم:
{إني
جاعل في الأرض خليفة} (سورة البقرة: 30)أعلم
بمايريد أن يخلق من آدم
وذريته
الذين يخلف بعضهم بعضا كما قال:
{وهو الذي جعلكم خلائف الأرض}
(سورة الأنعام: 65)وقال:
{ويجعلكم خلفاء الأرض} (سورة النمل:
62)فأخبرهم
بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم
قبلكونه، فقالت الملائكة سائلين
على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا
علىوجه الاعتراض والتنقص لبني آدم والحسد لهم، قالوا:
{أتجعل فيها من يفسد فيها
ويسفك الدماء} (سورة البقرة:30)قيل:
علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم
من الجن والبن، قاله قتادة،وقال عبد الله بن عمر: كانت
الجن قبل آدم بألفي عام
فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهمجندا من الملائكة فطردوهم إلي جزائر البحور.
وعن
ابن عباس نحوه. وعن الحسن:
ألهموا
ذلك.
وقيل:
لما أطلعوا
عليه من اللوح المحفوظ، فقيل أطلعهم عليه هاروتوماروت عن ملك فوقهما يقال
له
السجل. رواه ابن أبي حاتم، عن أبي جعفر الباقر.
{ونحن نسبح بحمدك
ونقدس لك} (سورةالبقرة:30)أي:
نحن نعبدك دائما لا يعصيك منا أحد، فإن كان المراد
بخلقهؤلاء أن يعبدوك فها نحن لا نفتر ليلاً ولا نهاراً.
{قال إني أعلم ما لا
تعلمون} (سورة البقرة: 30)أي:
أعلممن المصلحة الراجحة في خلق
هؤلاء ما لا
تعلمون، أي: سيوجد منهم الأنبياء والمرسلونوالصديقون والشهداء والصالحون. ثم بين
لهم شرف آدم عليهم في
العلم فقال:
{وعلم آدم الأسماء كلها} (سورة البقرة:
31)قالابن عباس: هي هذه الأسماء
التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودابة، وأرض،
وسهل، وبحر،وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.
وقال
مجاهد:
علمه اسم الصحفة،والقدر،
حتى الفسوة والفسية.
وقال
مجاهد: علمه اسم كل
دابة، وكل طير، وكل شيء.
وكذا
قال سعيد بن جبير، وقتادة، وغير
واحد.
وقال
الربيع: علمه أسماء الملائكة.
وقال
عبد الرحمن بن
زيد: علمه أسماء ذريته.
والصحيح:
أنه علمه أسماء
الذواتوأفعالها
مكبرها ومصغرها، كما أشار إليه ابن عباس، رضي الله
عنهما.
وذكر
البخاري هاهنا ما رواه هو ومسلم من طريق سعيد وهشام،
عنقتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"يجمع الله
المؤمنينيوم
القيام كذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلي ربنا حتى يريحنا من مكاننا
هذا، فيأتونآدم فيقولون: أنت أبو البشر،
خلقك الله بيده، واسجد لك ملائكته،
وعلمك أسماء كلشيء" وذكر تمام الحديث{ثم عرضهم علىالملائكة فقال أنبئوني بأسماء
هؤلاء إن كنتم صادقين} (سورة
البقرة: 31)قال
الحسن البصري: لما أراد الله خلق
آدم، قالت الملائكة: لا يخلق ربنا خلقاإلا كنا أعلم منه، فابتلوا
بهذا، وذلك
قوله: (إن كنتم صادقين). وقيل غير ذلك كمابسطناه في التفسير.
{قالوا سبحانك
لا علم لنا إلاما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} (سورة البقرة: 32)أي:
سبحانك أن
يحيطأحد بشيء من علمك من غير
تعليمك. كما قال:
{ولايحيطون بشيء من علمه
إلا بما شاء} (سورة البقرة: 255){قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم
قال ألم
أقل لكمإني
أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}
(سورة البقرة: 33)أي:
أعلم السر كما أعلم العلانية.
وقيل:
إن المراد
بقوله: (أعلمما
تبدون) ما قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها) وبقوله: (وما كنتم
تكتمون) المرادبهذا الكلام إبليس حين أسر
الكبر على آدم عليه السلام. قاله سعيد
بن جبير، ومجاهد،والسدي، والضحاك، والثوري، واختاره ابن جرير.
وقال
أبو
العالية، والربيع،والحسن،
وقتادة: (وما كنتم تكتمون) قولهم: لن يخلق ربنا خلقا
إلا كنا أعلم منهوأكرم عليه منه. وقوله:
{وإذ قلنا للملائكة اسجدوالآدم فسجدوا
إلا إبليس أبى واستكبر} (سورة البقرة: 34)هذا إكرام
عظيممن الله تعالى لآدم حين
خلقة
بيده، ونفخ فيه من روحه، كما قال:
{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي
فقعوا له ساجدين} (سورة الحجر: 29)فهذه
أربع تشريفات: خلقه بيده الكريمة، ونفخ
فيه من روحه وأمرالملائكة بالسجود له، وتعليمه أسماء الأشياء.
ولهذا
قال له
موسى الكليم حيناجتمع
هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا كما سيأتي: أنت آدم أبو
البشر الذي خلقكالله بيده، ونفخ فيك من روحه،
وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل
شيء، وهكذا يقول لهأهل المحشر يوم القيامة كما تقدم، وكما سيأتي إن شاء
الله
تعالى.
وقال
في الآيةالأخرى:
{ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا
للملائكةاسجدوا لآدم فسجدوا إلا
إبليس لم يكن من الساجدين* قال ما منعك ألا تسجد
إذ أمرتك،قال أنا خير منه خلقتني من
نار وخلقته من طين} (سورة
الأعراف:11ـ12)قالالحسن البصري: قاس إبليس، وهو
أول من قاس.
وقال
محمد بن
سيرين: أول من قاسإبليس،
وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس. رواهما ابن
جرير.
ومعنى
هذاأنه نظر بطريق المقايسة بينه
وبين آدم، فرأى نفسه أشرف من
آدم فامتنع من السجود له،مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود. والقياس إذا
كان
مقابلا للنص كان فاسدالاعتبار،
ثم هو فاسد في نفسه؛ فإن الطين أنفع وخير
من النار، لأن الطين فيهالرزانة والحلم والأناة
والنمو، والنار فيها الطيش
والخفة والسرعةوالإحراق.
<b>ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده
ونفخه
فيه من روحه، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له، كما قال:
{وإذ قال ربك
للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا
له ساجدين* فسجد الملائكة
كلهم أجمعون* إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين* قال
يا إبليس ما لك ألا تكون
مع الساجدين* قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من
حمإ مسنون* قال فاخرج
منه فإنك رجيم* وإن عليك اللعنة إلي يوم الدين} (سورة
الحجر:28ـ35)
=========================
الحمد لله
تعلمت أن الحياة لاتعطي إلا
من يعطيها
ولا تكافئ إلا من
يقدرها
ولا تقف إلا عند من يتحرك لها ولكن
احذر
منها فهي سريعة التقلب والدوران
فسرعان ماتديرلك
ظهرها وتقلب وجهها
الذي تعتقد أنه جميل إلى وجه قبيح
فاحذر رعاك الله من فتنها واتركهها
وراء ظهرك
وأقبل إلى ربك الكريم طالبا وراغبا
ماعنده