قالت
السيدة المتشحة بالسواد التي تتكأ علي عصاها صاحبة الجسد النحيل والوجه
الجميل أنا ياسيدي من زين به مكتبته وتركني سنوات أقاسي الحروالغبرة فلا
راحة لي بين يدية ليجبر خاطري انما هجر وصد ومكابرة فتركته كما تركني أنا
ياسيدي القراءة باب المعرفة التي تاه فيها هذا المتهم وظن أنه اكتفي بما
كان بيننا لسنوات وجهل أنه لآخر لحظات في حياته لن يكتفي مني وبقدر ما
يصلني بقدر ما يرتفع ولكن يا سيدي كما تري هاهو ذا أمامك خلف القفص وأنا
حرة طليقة --انعقد حاجبي القاضي وظهرت الدهشة علي وجهه لحظات ثم كسي وجهه
الجمود الذي حاولت أن أستشف منه شيء الا أنني فشلت في ذلك وتلاقت عيني
يعينيها وكان حديثا فيه من العتب واللوم الكثير منها والحزن العميق والندم
مني فما قطع علينا هذا الحديث سوي صوت القاضي من جديد الشاهد الثاني قام
الشاهد الثاني من وسط الناس ولم يأتي من باب ولقيامه جذب أنظار جميع من
بالقاعة فلقد كان ضخم الجثة طويل القامة به من العنفوان الكثير أخذ ينظر
اليه من علي المنصة باستغراب تام هل هل تعرف هذا الرجل؟؟ وكسابقته لم
ينظرالي بل هز رأسه مفيدا أنه نعم يعرفني فقال له القاضي /ماشهادتك قال أما
شهادتي يا سيدي بداية لم يكن جسدي كما تري لقد بدأت مع هذا المتهم منذ
نعومة أظفاره أتألم لأصنع له البسمة من بعد0 كنت جرس انذاره الذي ينبأه
بالخطر عندما يتحدث في أمر ما أمده بكل مايحتاجه وكبرنا سويا ولكني اختلفت
عنه فكل ما يقاسيه ينعكس علي أنا غيرأني أشتد عودا وصلابة ويحظي هو بالضعف
والنحول كنت أحميه وامده من قوتي كنا نختف في قليل وليس كثير نتناقش ويقتنع
أوأقتنع بيد أنه في الآونة الأخيرة لم يعد يستمع أنصح أحذر بصوت عالي يصم
الآذان لكنه لم يعد يستمع الي انظر يا سيدي الي هؤلاء الجالسين الشامتين هم
من جعلوني قويا كما تري طعناتهم هاهي ذي وكشف عن صدره فاذا بمكان السهام
موجود وصمتت القاعة وأطرق معظم من بالقاعة وجوههم خجلا صرخت يا سيدي بأعلي
صوتي هذا خطأ ولكن لم يجاوبني من هذا المتهم سوي الصمت لقد أتيت لأؤكد لكم
أن هذا المتهم هو من أوصل نفسه الي هذا المكان ولا أحد غيره ---هز القاضي
رأسه هزا خفيفا ثم سأله من أنت ؟؟قال بعد صمت أنا تجاربه يا سيدي القاضي
-تنهد القاضي تنهيدة أخري ثم قال نعم نعم -ثم نظر الي القاضي من جديد هل
وكلت محام عنك ؟؟قلت وكلي ألم ألا يجوز لي الحديث ؟؟قال لا0 أتقر بشهادة
هؤلاء فيك ؟؟قلت نعم أقروكل ماقالوه صدقا -------ترفع الجلسة للاستراحة
هكذا نطق القاضي وعلي ذلك غلفني الصمت الذي ينبيء عن كثير وفي رحلة مع وجوه
الجالسين كانت تزداد مرارتي وألمي أليس فيهم من أحد رشيد ؟؟ألا يقف أحدا
يقول قولة حق لله تعالي فكم شقيت معكم وكم عانيت منكم ----------وقطع علي
ذكرياتي المريرة صوت الحاجب من جديد ليعلن عن قدوم هيئة المحكمة وبعد ان
اعتدل القاضي وتحدث ذات اليمين مرة وذات اليسار مرة أخري فجأة دخل من باب
المحكمة اناس كثيرين وجوه مختلفة عربية وأخري آسيوية وثالثة مصرية فأوقفهم
القاضي بسؤاله من أنتم ؟؟؟قالوا لقد جئنا للشهادة قال كلكم ؟؟قالوا نعم
كلنا فقال لهم تخيروا أحدكم للحديث فتقدمهم رجل في الخمسين من عمره ما أن
تقع عليه عيناك حتي تشعر بالراحة تقدم ناحية المنصة ثم توقف فبادره القاضي
بالسؤال أتعرف هذا الرجل ثم أشار الي نظر الي الرجل نظرة حانية خففت وطء ما
أشعر به ثم قال نعم أعرفه تمام المعرفة قال القاضي هات ماعندك قال الرجل
لقد أمرنا الله عز وجل ألا ننسي الفضل بيننا وألا نبخس الناس أشيائهم وألا
نكتم الشهادة فقد جئنا لنقول في هذا الرجل قولتنا لقد علمناه صادقا وان كان
صدقه قد جر عليه من المصائب ما قد جر خبرناه في شدائدنا فما كان منه الا
قولا سديدا وعملا رشيدا يحب الخير للناس كافة لا يبغض أحدا يعفوا عن مسيئهم
ويتقبل عذرهم وانا أعلم كثير من هؤلاء الجالسين الشامتين ولو كان الصدق
يعرف طريقه الي قلوبهم أو ألسنتهم لنطقوا ماكان منه معهم ولكن قست قلوبهم
0سيدي القاضي ان هذا الرجل أخطأ ؟؟نعم أخطأ ومن منا لا يخطيء ؟؟ولو أن كل
واحد منا أقام محكمة لنفسه لأدينت جميعها ولكن يتبقي ان نعلم أين نحن والي
أي الطرق نسير ؟؟وكيف نغير من أنفسنا وقبل ذلك تكون محاكمة عادلة تتحدث
جميع أطرافها وتؤتي بشهود الاثبات والنفي فلا تقسوا عليه في حكمكم وان كان
ولابد من حكم فليكن بأخف العقوبات ----------نظر القاضي من جديد الي الرجل
وكان أثناء حديثه ينصت يدا وتبدوا عليه أمارات التفكير العميق صمت قليلا ثم
قال الحكم بعد المداولة 0تقدم هذا الرجل مني وابتسامة حانية لا تفارق
شفتيه أخذت أتمعن فيه جيدا ان وجهه مألوف لي ولكني لا أتذكره بالمرة التقت
عينانا فكان حديثا ملؤه الشكر والامتنان أخذت تلح علي فكرة سؤاله حتي
ابتلعت ريقي واستجمعت شجاعتي ثم سالته من من أنت ؟؟ذادت ابتسامته حتي ملأت
وجهه كاملا أنا أنا ---------محكمة اتجهت العيون جميعها الي المنصة اتخذت
الهيئة مجلسها وأخذوا يتبادلون حديثا تستشف منه أنهم لم يتفقوا علي رأي الا
أن القاضي اعتدل في مجلسه ومن جديد عدل من وضع نظارته الطبية ثم أمسك
بالأوراق ثم حكمت المحكمة ---------------------عابر سبيل